2025-06-21
في عالم تحكمه القوة، لا يُحسب الانتصار بعدد الضربات، بل بعدد المرات التي كاد السيف أن يهوي ثم توقف في الهواء. الولايات المتحدة، القوة العظمى، لطالما حولت التهديد العسكري إلى مسرح خفي، أبطاله سياسيون، وسلاحه الدبلوماسية، ونتيجته توازن على حافة الانفجار.
كوبا في أكتوبر عام 1962 كانت تشتعل فوق فوهة بركان نووي، عندما نُصبت صواريخ باليستية سوفييتية، بعضها يحمل رؤوساً نووية، رداً على محاولة أميركية للإطاحة بنظام فيدل كاسترو، ونشر صواريخ "جوبيتر" في كل من إيطاليا وتركيا.
صراع على رقعة شطرنج تسير أحداثه بسرعة جنونية، فقطع العالم أنفاسه.
بدأ العدّ التنازلي لنهاية محتملة للبشرية، ولكن خلف الأبواب المغلقة تحركت الدبلوماسية بصمت.
صفقة بين الرئيسين الأميركي جون كينيدي والروسي نيكيتا خروتشوف أفضت إلى انسحاب السوفييت من كوبا، مقابل تعهد بعدم الغزو وسحب الصواريخ الأميركية من تركيا. وهكذا، انطفأت شرارة حرب عالمية ثالثة... في اللحظة الأخيرة.
في عام 2013، استخدم الرئيس السوري السابق بشار الأسد السلاح الكيميائي ضد المدنيين في غوطة دمشق الشرقية.
مشاهد الموت والاختناق دفعت الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما للإعلان عن خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه.
تحركت البوارج الحربية، وتأهب العالم لضربة أميركية قد تغيّر معادلات الحرب السورية إلى الأبد.
لكن الضربة لم تقع، ففي كواليس السياسة انعقدت صفقة بين موسكو وواشنطن، فكك النظام السوري بموجبها ترسانته الكيميائية. التهديد الأميركي تبخر، والخط الأحمر أصبح رمادياً.
منذ عقود، تطوّر البرنامج النووي الإيراني في صمت، ثم في ضوضاء تجسدت بقلق أميركي متصاعد، ومخاوف إسرائيلية تعلن صراحة: لن ننتظر حتى تمتلك إيران قنبلة نووية.
في عام 2006، تم تشكيل مجموعة 5+1 استناداً إلى قرار أممي، تضم بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، وروسيا، بالإضافة إلى ألمانيا.
ومع كل جولة مفاوضات، كانت تتشابك الدبلوماسية بلهجة تصعيد عالية.
وفي عام 2015، وُقّع الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى.
الاتفاق الذي أبعد شبح الحرب وكبّل البرنامج الإيراني، لم يستمر طويلاً، إذ انسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى، وأعاد الملف إلى المربع الأول، والأزمة برمتها إلى سابق عهدها.
الضربة لم تقع حتى الآن، لكن الجمر بقي تحت الرماد.
ترامب، الذي لا يجيد التهديدات الهادئة، قالها بوضوح عام 2017: سأمطر كوريا الشمالية بالنار والغضب.
كوريا الشمالية، الدولة المنعزلة، استمرت في تجاربها النووية وأظهرت أن تهديدات واشنطن لا تُرعبها.
لكن فجأة، تبدّل المشهد من التهديد والوعيد إلى الترحيب واللقاءات التاريخية التي جمعت ترامب وكيم جونغ أون، وعبارات دبلوماسية غطّت على لغة الصواريخ.
التهديد النووي تراجع، ولم تقع الضربة.
المسار الأميركي هذا لا ينفصل عن تاريخ واشنطن منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي عبّر عنه هنري كيسنجر، الملقب بثعلب الدبلوماسية، قبل نصف قرن تقريباً، عندما قال: "إن حاملات الطائرات هي مئة ألف طن من الدبلوماسية".
تقرير: رائد المواس