في ردهة البحر المتوسط، حيث تتشابك الأعاصير السياسية مع خرائط الطاقة، دخلت عملية ليلية سرية على متن سفن انطلقت من ميناء حيفا نحو السواحل القبرصية، حيث نُشرت بطاريات "باراك إم إكس" الإسرائيلية بهدوء لتشكل مفاجأة استراتيجية لأنقرة.

فالمنظومة ليست مجرد صفقة عسكرية، بل تمثل تحولا استراتيجيا، إذ تمتلك رادارا ثلاثي الأبعاد بمدى يصل إلى 460 كيلومترا، وقادرا على تغطية مساحات واسعة من المجال الجوي التركي، إضافة إلى اعتراض الطائرات المسيّرة والصواريخ المجنحة حتى مسافة 150 كيلومترا.

والأهم أن النظام يمكن دمجه ضمن شبكة استخباراتية إسرائيلية، ما يجعل قبرص منصة مراقبة متقدمة في خاصرة تركيا، فيما تتعدد أهداف إسرائيل من هذه الخطوة، بين تعزيز شراكتها مع نيقوسيا وأثينا ضمن محور شرق المتوسط، وتوسيع نطاق مظلتها الدفاعية لحماية مسارات الطاقة البحرية من أي تهديد تركي، وتكريس حضورها كقوة قادرة على إعادة رسم موازين الأمن في المنطقة.

لكن أنقرة ترى الصورة من زاوية مغايرة، إذ حذرت وزارة الدفاع التركية من أن نشر "باراك إم إكس" يخل بالتوازن الاستراتيجي في الجزيرة، ويشكل تهديدا مباشرا لأمن "جمهورية شمال قبرص التركية".

وفي موازاة ذلك، استغل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مناسبة رسمية في القصر الرئاسي لتوجيه رسالة أوسع من حدود الجزيرة.

ومن المؤكد أن التطورات الأخيرة تجعل من قبرص ساحة مواجهة صامتة بين أنقرة وتل أبيب، حيث يختلط في الأفق وهج الرادارات مع ظل التوترات السياسية، وتتحول المنظومات الدفاعية إلى رسائل مشفرة على إيقاع صراع طويل الأمد.

تقرير: علي الموسوي