2025-10-23
حين تصمت السياسة في الساحة العراقية تتكلم المحكمة، وحين يضيع التوافق داخل أروقة السياسة تبحث الأحزاب عن نص تفسّره المحكمة لا عن دستور يحكمها.
هنا في بغداد، المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في البلاد، وُلدت من رحم المادة الثالثة والتسعين من الدستور بموجب القانون رقم ثلاثين لسنة ألفين وخمسة، قراراتها باتة وملزمة لا يُستأنف عليها ولا يُراجع فيها أحد.
لكن المحكمة التي وُلدت لحماية الدستور، تحوّلت مع الزمن إلى فاعل سياسي خفي، يدخل المعركة حين تتعطّل السياسة، ويحسم ما تعجز عنه صناديق الاقتراع.
من انتخابات ألفين وعشرة، حين أعادت نوري المالكي إلى رئاسة الوزراء على الرغم من فوز القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، إلى انتخابات ألفين وواحد وعشرين حين أنقذت الإطار التنسيقي من خسارة سياسية أمام التيار الصدري، كانت المحكمة الاتحادية تكتب فصل النهاية في معارك لم تُحسم انتخابيا.
قرارات جدلية اتخذتها المحكمة الاتحادية، من عزل رئيس مجلس النواب إلى إلغاء نتائج بعض الدوائر الانتخابية، لتتردد داخل الأروقة العراقية أسئلة أعمق:
هل ما زالت المحكمة تفسّر الدستور؟
أم أنها باتت تكتب السياسة باسم الدستور؟
المحكمة تقول إنها مستقلة، لكن الوقائع تُظهر أنها أصبحت ساحة صراع مؤجل بين القوى المتنازعة، كلّ يقرؤها على طريقته، وكلّ قرار يصدر عنها يُفسّر كبيان نصر أو هزيمة.
واليوم، يطالب بعض المراقبين بضغط دولي لإعادة ضبط العلاقة بين القضاء والسياسة، خشية أن تتحوّل المحكمة من حارس للدستور إلى أداة لتعديل ميزان القوى في لحظة الانسداد، ولكن حين يُسأل الدستور عن كلمته الأخيرة، يأتي الجواب من قاعة المحكمة الاتحادية.
تقرير: علي حبيب