2025-07-26
أغنية صباحية "كيفك انت" لفيروز بصوتها، على غير العادة، لم يستفق لبنان على الصوت الملائكي، صوت عصفورة الشرق فيروز، بل على خبر رحيل أكبر أبنائها، زياد الرحباني.
الخامس والعشرون من يوليو 2025 ليس ككل الأيام، كان يشبهه في حزنه وتمرده وحسه المرَهف، كان يشبه تمامًا كل لبناني، يحب الحياة، يندفع أحيانًا، يتوجس أحيانًا أخرى، يعاند في مرات كثيرة، ويكتب أحلامًا تتكسر في زحمة الوطن.
لم يكن زياد الرحباني ابن الأسطورة فيروز فقط، كان ابن بيروت المتعبة، ابن الليل والرصيف والشارع والكلمة الصادمة، كان الموسيقى حين تخجل الكلمات، وكان المسرح حين تضيق الشاشات.
رحل زياد الرحباني، ولم يكن كغيره. لم يُطع الرباب ولا الزجل، بل عزف على وتر الإنسان، كتب للبسطاء، للمهمشين، للذين يضحكون رغم الجرح، ويبكون دون أن يراهم أحد، مات الذي عَلَّمنا أن نضحك ونحن نحترق، وأن نغني ونحن نمشي فوق رماد الحرب.
وُلد زياد عاصي الرحباني في مطلع عام 1956 في بيت يزهر بالحس الفني والموسيقى والمسرح.
فيروز الأم، وعاصي الأب، شكّلا أرضًا خصبة لموهبة ظهرت باكرًا، لكن زياد لم يختر السير على خطى الرحابنة بل اختار الاصطدام بالواقع والسخرية منه.
مسرحه لم يكن ترفًا فكريًا. من "نزل السرور" إلى "شي فاشل"، مرورًا بـ"بالنسبة لبكرا شو؟" وفيلم "أميركي طويل"، كانت الخشبة عند زياد دفتر الوطن المفتوح على عذابات الحرب، الطائفية، الفساد، والبطالة، وحتى "الحب المستحيل".
موسيقاه جمعت بين الجاز والبلوز والموسيقى الشرقية. لا يشبه أحدًا، ولا يشبهه أحد، ألبومات مثل "بما إنو"، "مونودوز"، و"ماشي الحال" لم تكن فقط تجارب موسيقية بل مواقف فكرية مشفرة بالنوتات.
في عامه السابع عشر فقط، كتب لوالدته الأغنية الشهيرة "سألوني الناس"، يومها كان والده عاصي في المستشفى، وكان زياد على وشك أن يعلن نفسه وريثًا فنيًا شرعيًا، ولكن على طريقته الخاصة.
مع فيروز الأم والصوت، صنع لحظات خالدة: "سألوني الناس"، "عندي ثقة فيك"، "إيه في أمل"، و"البوسطة"، حملت هذه الأغاني وجهًا جديدًا لفيروز، وجه الوطن المتعب، والحب المكسور، والحنين المختلف.
لم يكن زياد فنانًا حياديًا، كان يساريًا ملتزمًا، ناقدًا ساخرًا لأنظمة الفساد ولكل سلطة قهرت الإنسان، قال ما لم يجرؤ على قوله أحد، وتحمّل ما لا يتحمّله أحد، رافق الفقراء في همومهم، وكان لسان حالهم في مسرحه وصحافته وحتى في نكاته.
رحل من قال الحقيقة، وبقيت كلماته تعيش، رحل زياد ولم يكمل السبعين من عمره، تاركًا وراءه مكتبة من الشجاعة والوعي والإبداع، رحل، لكن كلمته وصوته ولحنه باقٍ، في مسرح لن يخفت، في نغمة لن تسكت، وفي ضمير جيل لن ينسى، ولن تنسى "جارة القمر" الليلة أن تسأل عن زياد.
تقرير: حذام عجيمي