2025-04-05
خاص شمس
تُعرض على خشبة مسرح "لا كولين" الوطني في باريس مسرحية “T’embrasser sur le miel” (أُقبّلك على العسل)، من تأليف وإخراج المخرج المغربي الفرنسي خليل شرتي، في أولى تجاربه المسرحيّة المستندة إلى فيلمه القصير، الذي يحمل العنوان نفسه.
تدور أحداث العرض حول شخصيتي سيوان وعماد، اللذينِ يعيشان في سوريا، ويتواصلان عبر مقاطع فيديو يرسلانها لبعضهما البعض. لكن بدلًا من تبادل الأخبار اليومية أو توثيق المأساة المحيطة، يبدعان معًا عروضًا صغيرة مصوّرة. من داخل شقق محاصرة تحت القصف، يصنعان عبر الخيال فسحة للهروب والنجاة، حيث يصبح الإبداع ذاته وسيلة للبقاء.
يعالج "شرتي" المأساة السورية من زاوية إنسانية داخلية، مبتعدًا عن الصور النمطية للدمار والخسارات المباشرة. يُظهر كيف يمكن للحياة، وللأمل، وللحب، أن تتسلل حتى إلى أكثر اللحظات هشاشة. يسرد حكاية سيوان وعماد، لخلق عروض مسرحية صغيرة، مليئة بالخيال والحياة، يهديها كل منهما للآخر كوسيلة للبقاء في وجه الانهيار.
المسرحية تُقدَّم باللغة العربية الشامية مع ترجمة إلى الفرنسية، ويشارك في بطولتها الفنانة السورية ريم علي والممثل عمر الجباعي، إلى جانب مجموعة من الأصوات، التي تضيف بُعدًا سمعيًّا دراميًّا.
السينوغرافيا في العرض هي عنصر جوهري لا يقل قوة عن النص؛ فالمخرج صمّم فضاءً بصريًّا بسيطًا لكنه مفعم بالرموز، حيث تتحوّل الشقق المعزولة إلى مساحات أداء، ويصبح الضوء والصوت والفراغ لغةً مسرحيّة تنقل القلق والعزلة والدفء والارتجاف في آن. تتداخل الأصوات المسجّلة مع حضور الممثلَين الحي، ليخلقا عالمًا متداخلًا بين الواقع والتخيل، يعكس التشظي الذي يعيشه السوري في زمن الحرب.
المخرج وجدي معوض، مدير مسرح لا كولين" الوطني، أكد في تصريح له أن مسرحية “T’embrasser sur le miel” للمخرج خليل شرتي تمثّل مشروعًا مسرحيًّا طموحًا بكل المقاييس، وأضاف: “هذا العمل يطرح تحديًّا بصريًّا ودراميًّا فريدًا، لأنه يسعى لتقديم شخصيتين مفصولتين عن بعضهما البعض في الواقع".
وأردف: “لكن عليهما أن تتواجدا معًا على خشبة المسرح. المشاهد بدوره يظل مفصولًا عنهما من خلال الشاشة التي تفصل بين العوالم. ومع ذلك، يحاول العرض أن يُبقي لحظة الاتصال حيّة بين شخصينِ يحبّان بعضهما البعض في عالم يتفكك.”
وأوضح معوض أن المسرحية لا تكتفي بسرد مأساة، بل تحاول التقاط تلك المساحة الدقيقة التي يظل فيها الحب ممكنًا رغم العزلة، وأن الإبداع – حتى وسط الخراب – يمكن أن يكون جسرًا للنجاة.
“أُقبّلك على العسل” ليست فقط مسرحية عن الحرب، بل هي اقتراح فنيٌّ وفلسفيٌّ حول معنى أن نحب ونُبدع وسط الخراب، أن نكتب ونحكي ونضحك حتى، في لحظات تبدو فيها الكلمات عبثيّة، لكنها قد تكون طوق النجاة الأخير.