2025-06-30
في قابس، مدينة الشمس والبحر، الواحة التي تكاد تكون الوحيدة على ضفاف المتوسط، لا تبدو الحياة فيها كبقية المدن الشاطئية التونسية. خلف هذه الجدران، يعمل أحد أكبر مصانع معالجة الفوسفات في البلاد. لكنه، وفق السكان، ليس مصدر رزق فقط، بل أيضًا مصدر ألم ومعاناة منذ إنشائه عام 1971، إذ بات المجمع الكيميائي كابوسًا يؤرق مضاجع أهالي منطقتي شط السلام وغنوش، واضطر المتساكنون إلى طلب مغادرة المكان.
منى بوعلي، مقيمة في قابس، تقول: "تعالوا، خذوا منازلنا، وأعطونا منازل بعيدة عن التلوث، لنقضي بقية حياتنا في بيئة صحية. أنا مستعدة لترك منزلي إذا وفروا لي منزلًا آخر في مكان آخر، إذا لم يتمكنوا من حل هذا الوضع. فليعطونا حقوقنا، وأهمها تنظيف الميناء."
وتحت وطأة الإنتاج الكيميائي المكثف، اختفت الثروة السمكية، والأراضي الزراعية، والثروات الطبيعية، إضافة إلى ارتفاع نسب أمراض التنفس والسرطان والقلب، بحسب الدراسات. ليطلق أهالي قابس صرخة فزع من دون جدوى.
المصانع تنتج أكثر من 16,000 طن يوميًا، وخمسة ملايين سنويًا، تذهب النفايات منها، لمادة الفوسفوجيبس المشعة، مباشرة إلى خليج قابس من دون معالجة. ورغم وعود السلطات بإغلاق المصنع تدريجيًا عام 2017، وبعد ثماني سنوات، ها هي تعلن مضاعفة الإنتاج. قرار ينذر بمزيد من التدهور البيئي والصحي، ويقابل بغضب واسع من السكان.
خير الدين دبية، منسق مجموعة المناصرة المحلية "أوقفوا التلوث"، يقول: "يعتمد النشاط الصناعي هنا في قابس بشكل رئيسي على معالجة الفوسفات لاستخدامه كسماد. واليوم، أثرت هذه الصناعة على جودة الهواء والبحر وجميع أشكال الحياة هنا. يوجد حاليًا نحو 16,000 طن من الجبس الفسفوري المشع، الذي يحتوي على مواد صلبة تُلقى مباشرة في البحر، ما ألحق ضررًا بالغًا بالتنوع البيولوجي البحري، وأدى إلى انخفاضه بنسبة 93% تقريبًا."
وبين وعود التنمية ومطالب البقاء في بيئة نظيفة، يقف سكان قابس، ليس اليوم فقط، بل منذ أكثر من خمسين عامًا، أمام مفترق طرق، فهل ينتصر صوت البيئة والصحة والعيش بسلام، أم يُسحق تحت وطأة المصالح الاقتصادية؟
تقرير: حذام عجيمي