2025-08-05
في مدينة صغيرة عند سفح جبل من جبال كوردستان، رجل مسن يقاوم الزمن، بيديه لا بصوته، وبالخشب لا بالكلمات.
بمنشار يدوي، وقلم ومسطرة، وقليل من الغراء الممزوج بالكثير من الحنين، يحفر چابوك في ذاكرة المكان. لا ليوثقها فقط، بل ليحيي ما خبت ملامحه في الشوارع والقلوب.
العم چابوك، نجار بسيط في سوق كويه، يشيد الذاكرة قطعة قطعة. يصنع من الأخشاب مجسمات لبيوت وأسواق وحارات اندثرت، لكنها لم تغب عن قلبه.
أعماله لا تباع في معارض فنية، بل تعرض في دكان صغير، على رفوف متعبة، لكنها تشبه الحكايات التي تسكنها.
في مجسم صغير، يعيد تشكيل خان قادر ياسين، ذاك السوق القديم الذي احتضن التجار والمسافرين.
وفي مجسم آخر، تظهر القشلة، قلعة كويه الشهيرة، الذي يعود تاريخ بنائها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلادي.
هذا ليس مجرد مجسم خشبي، بل نسخة مصغرة لمعْلم تاريخي كان يضج بالحياة والسلطة والجنود… القشلة، أو قلعة كويه، كما يسميها السكان. من هنا تبدأ حكاية جديدة.
تقع القشلة على تلة عالية تشرف على أحياء كويه والقرى المحيطة بها. قلعة دفاعية كانت مركزا للإدارة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. من هنا مرت قوافل التجارة، وسكنت الأسر الحاكمة، وسجلت فصولا من تاريخ المدينة.
في هذه القلعة، لم يبقَ اليوم سوى الجدران، شاهدة على زمن مضى. لكن التاريخ لا يعيش في الحجر وحده، بل في ذاكرة من عايشوه، وحفظوا حكاياته قطعة قطعة، كما يفعل العم چابوك.
تقرير: صهيب الفهداوي