Mask
Logo

entertainment

دار شوارة في فاس.. أقدم وأكبر مدبغة تحافظ على تراث الجلود المغربي

2025-06-10

في قلب فاس القديمة، حيث تنسج الألوان قصص الماضي، تبرز دار الدباغة شوارة كقلعة من الحرفية والتاريخ. تتراقص أحواض الدباغة كلوحات فنية، تحمل ألوانها تنوع الحياة، الأحمر القاني، والأصفر الذهبي، والأخضر الزاهي، تتجلى جميعها في سيمفونية من الأصباغ.


تبدو دار الدباغة كخلية نحل نابضة بالحياة، حيث يتنقل الدباغون بخفة بين التجويفات المستديرة التي تحمل أسماء متعددة، القصرية، المركل، المجيار، يمسكون بالجلود ويغمرونها في سوائل ذات ألوان زاهية، وكأنهم رسامون يبدعون لوحة طبيعية. كل حركة تنم عن مهارة عريقة، وكل لون يروي حكاية من الزمن الغابر، حين كانت هذه الحرفة تعتبر دار الذهب لما تدره من خير.


وحيث إن مدابغ المغرب، وعلى رأسها مدابغ فاس، تعد من أقدم مدابغ إفريقيا وأكبرها، فقد وصلت في العهد الموحدي إلى ست وثمانين ورشة للدباغة في المدينة، وزاد هذا العدد في العهد المريني فبلغ حوالي مئة ورشة. غير أنه لم يبق من هذا العدد الكبير من ورش الدباغة في فاس القديمة إلا ثلاث، دار الدباغة سيدي موسى، والثانية دار الدبغ عين زليطن، والثالثة التي نتواجد بها دار الدبغ شوارة، وهي كبقية مثيلاتها تمثل حرفة لها علاقة قوية بالماء، بل هي متوقفة عليه. فكل دور الدبغ تم إنشاؤها على ضفاف الوديان.


هنا، لا تقتصر الدباغة على كونها مجرد حرفة، بل تتداخل فيها الأبعاد الاجتماعية والسياسية، حيث كانت هذه الدار معقلاً للعديد من الحرفيين من مختلف الطبقات، يتشاركون في العمل والتاريخ. كانت لهم أدوارهم في المظاهرات الوطنية، يحملون شعلة التغيير في أيديهم، ويكتبون فصولاً جديدة من تاريخ البلاد.


تظل دار الدباغة شوارة قلباً نابضاً في جسد فاس. فرغم تحديات الزمن وتغيراته، يبقى صدى الدباغين يرن في الأفق، يحمل معه عبق الماضي وعزيمة المستقبل. إن هذه الدار ليست مجرد ورشة عمل، بل هي حكاية تروى بألوانها وأصواتها وأرواح من عاشوا فيها. هنا، يتجلى التراث في أبهى حلله، ويستمر في إلهام الأجيال، مذكراً الجميع بأن الجمال يكمن في التفاصيل، وأن كل لون يحمل قصة تستحق أن تروى.


تقرير: أميمة الإدريسي 

Logo

أخبار ذات صلة