2025-06-26
على امتداد 68 عامًا منذ بدأت إيران مشروعها النووي بشراكة أميركية عام 1957، ثم بعد الإطاحة بالشاه عام 1979 وانسحاب الولايات المتحدة، لم يتوقف المشروع، بل تصاعدت وتيرة الإنفاق عليه.
وتوزعت المنشآت بين نطنز وأراك وفوردو، إضافة إلى مرافق البحث والتطوير في طهران وأصفهان ويزد وقم وأبوشهر، وهي المحطة الأغلى بتكلفة تفوق 11.5 مليار دولار.
وما خفي كان أعظم، إذ أنفقت إيران ترليونات الدولارات، فيما تُقدّر التكاليف الشاملة منذ 2006 بأكثر من 500 مليار دولار، مع تكلفة إضافية حسب نطاق الفاعلية والعمر الزمني للبرنامج تتراوح بين 100 و500 مليار دولار.
وشملت التكلفة البنية التحتية، مراكز البحث، الأنظمة الدفاعية، والخسائر الاقتصادية بسبب العقوبات الدولية، والنتيجة لا غبار عليها، فالبرنامج النووي أوقع إيران في جب الحصار، ويُقدّر الخبراء خسائرها بأكثر من ترليوني دولار.
بجانب أكثر من مليون شخص فقدوا وظائفهم، وخسائر بنحو 100 مليار دولار من عائدات النفط، ليتفاقم الفقر، وتقل الإنتاجية، ويرتفع التضخم، وتنهار العملة، في بلد يختزن رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم.
فمنذ عقود، لم يكن المشروع مجرد طموح علمي، بل متاهة من السرية والسباق والعزلة، وفوق كل منشأة ظلّ سيف العقوبات مسلولًا، وفي خلفية المشهد شعب ينتظر خبزًا لا إشعاعًا، مدرسة لا مفاعلًا، مستشفى لا منشأة تحت الأرض.
بترليونات الدولارات، وبنصف نفقات البرنامج تقريبًا، كان يمكن لإيران أن تبني مدنًا حديثة متكاملة في مختلف القطاعات تضاهي العاصمة طهران مساحة، وتستوعب أكثر من 15 مليون نسمة، بتكلفة تتراوح بين ترليون إلى ترليوني دولار، 50٪ منها للبنية التحتية.
كما كان بإمكانها إنشاء مدينة تعليمية رائدة بمواصفات عالمية، لا تتجاوز تكلفتها 70 إلى 100 مليار دولار، إلى جانب مدينة طبية رقمية متطورة تضم 15 مستشفى متكامل و10 آلاف سرير، بتكلفة تتراوح بين 37 و50 مليار دولار.
هذه المشاريع كانت ستمنح إيران قوة ناعمة إقليمية حقيقية، بدل "تهديد إشعاعي" يجرها نحو الحرب، لكن المشهد اليوم يقطر مرارة، فبرنامج نووي باهظ الثمن، وبنية تحتية مترهلة، واقتصاد يرزح تحت وطأة العقوبات، ومواجهات جوية صاروخية استمرت لـ12 يومًا، ومنشآت نووية استهدفت بأطنان من القنابل، يفوق وزنها ترليونات الدولارات التي أُنفقت على فوردو ونطنز ومجمع أصفهان.
وكادت تلك الضربات أن تشعل شرارة حرب إقليمية قد تكلف المنطقة والعالم ثمنًا باهظًا، قبل أن يجدوا طريقًا لسلام لا يزال معلقًا، وفي خضم هذا الواقع المليء بالتحديات، يبقى الأمل نبراسًا لا ينطفئ في بلد يزخر بالكفاءات والعقول والخيرات، لكن يظل السؤال مفتوحًا: هل هوس الذرة سيأخذ إيران إلى طريق الدمار وقبر الإنسان، أم أنها ستوجه إنفاقها لتنمية مستدامة لها ولشعبها؟
تقرير: حذام عجيمي