2025-06-20
لم تبدأ القصة بقنبلة، بل بسؤال: لماذا تبني إيران منشآت نووية سرية؟
ذات خريف من عام 2002، التقطت الأقمار الصناعية صوراً لما لم ترد طهران لأحد أن يراه: منشأة نطنز، ورفيقتها أراك، تكشفان أقل مما تخفيان.
ومنذ اللحظة الأولى، لم تكن القصة قصة منشأة، بل نوايا. الغرب سأل: هل تبحث إيران عن الكهرباء؟ أم عن إشعاع يخفي نواة عسكرية؟ وإيران أجابت بما لم يقنع أحداً: نحن نخصب لأجل السلام.
بدأت المفاوضات، لا لأجل الاتفاق، بل لتأخير الانفجار. بين 2003 و2012، جلسات ماراثونية تحت سقف الوكالة الدولية. الترويكا الأوروبية تكتب بنوداً، وطهران تمسحها بأجهزة الطرد المركزي. وكلما لانت اللغة، ارتفعت نسبة التخصيب، وكلما اقترب الطرفان من نقطة التفاهم، كان هناك من يعيدهم إلى نقطة الصفر.
في 2015، بعد اثني عشر عاماً من الشك، وُقّع الاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1. كاميرات مراقبة، قيود تقنية، ومهلة لإثبات حسن النية. لكن من أين تأتي النوايا الحسنة في عالم السياسة؟
هذا ما فكر فيه ترامب، لينسحب من الاتفاق في 2018، كما يُسحب خنجر من صدر دافئ. أعاد العقوبات، وطهران أعادت أجهزة الطرد للدوران. العالم عاد إلى المربع النووي الأول، لكن بإيقاع أسرع، ونبرة أكثر تحدياً.
في عهد بايدن، عادت المفاوضات، لكنها بدت مثل مفاعل مهجور. الإضاءة موجودة، لكن الحرارة غائبة. مفاوضات غير مباشرة في فيينا، مسودات، ووعود، وأوراق بيضاء لم يُكتب فيها شيء حاسم. طهران طالبت بضمانات بعدم انسحاب أي إدارة مستقبلية، لكن واشنطن لم تعد بشيء، بل طلبت سلوكاً يمكن الوثوق به.
ثم جاء العام 2025، وعاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لا ليعيد الاتفاق، بل ليعلن نهايته رسمياً. مهلة: 60 يوماً، إما اتفاق جديد بشروط أميركية، أو الرد سيكون ملموساً.
تنقلت المحادثات بين مسقط وروما، تغيرت الأماكن، والطاولة ثابتة، أما الزمن فكان حاداً. إيران استمعت، وقايضت، وطرحت تحفظات، ثم غادرت بلا وعود. وفي الخلفية، كانت تل أبيب قد اختارت اسم العملية: "الأسد الصاعد".
وفي اليوم الواحد والستين، كان الرد صاعقاً، متفجراً، المفاعلات تهتز، والشرق الأوسط معها. إيران ترد بصواريخ ومسيرات، تل أبيب تشتعل، والخليج ينكمش، والخرائط السياسية ترتجف تحت الرماد. أما العالم، فبدأ يتنفس من خلال بيانات القلق.
ثمانية أيام من النار، ثم صوت خافت يخرج من جنيف، يتحدث عن مفاوضات جديدة. لا ثقة، لا ضمانات، لا كاميرات تعمل. فقط سؤال واحد: ما لم يُبنَ في زمن السلام، هل يولد من رحم المعركة؟
تقرير: علي حبيب