2025-06-30
أصدرت وكالة رويترز، اليوم الاثنين 30 يونيو 2025، تقريرا خاصا كشفت فيه عن مقتل نحو 1500 من أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري خلال ثلاثة أيام فقط من أعمال العنف، وذلك عقب انتفاضة محدودة نفذها عسكريون سابقون موالون للرئيس المخلوع بشار الأسد، حيث انتشرت قوات الحكومة الجديدة على امتداد المنطقة الساحلية، وأسفرت المواجهات عن مقتل المئات من عناصر الأمن، بحسب ما جاء في التحقيق.
ووفقا لما ورد في تقرير رويترز، فقد وقعت عمليات القتل والنهب في 40 موقعا مختلفا، واستهدفت الأقلية العلوية التي ارتبطت تاريخيا بنظام الأسد، حيث أشار التحقيق إلى أن هذه الهجمات جاءت كرد فعل انتقامي من فصائل سنية مسلحة وأخرى انضمت حديثا إلى الحكومة الجديدة في دمشق.
وأكدت رويترز أن تسلسل القيادة في هذه العمليات يصل إلى مسؤولين يعملون مع الحكومة الجديدة التي يقودها حاليا فصيل إسلامي كان يُعرف سابقا باسم "هيئة تحرير الشام"، التي كانت في السابق فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا تحت اسم جبهة النصرة.
من بين القصص المؤلمة التي أوردها تقرير رويترز، حادثة مقتل الشاب سليمان رشيد سعد، البالغ من العمر 25 عاما، حيث "شقوا صدره واقتلعوا قلبه، ووضعوه على صدره"، بحسب ما قال والده للوكالة، ولم يكتفِ الجناة بذلك، بل اتصلوا من هاتف الضحية بوالده وتحدوه أن يأتي لاستلام جثة ابنه الملقاة قرب صالون حلاقة في قرية الرصافة، وقد أدرج اسم سليمان في قائمة مكتوبة بخط اليد تضم 60 قتيلا من قريته، بينهم أقارب وجيران وستة أطفال على الأقل.
ويشير تقرير رويترز إلى أن موجة القتل التي استمرت لأيام سلطت الضوء على الانقسام العميق في المجتمع السوري، حيث لم تتمكن الحكومة الجديدة حتى الآن من رأب الصدع بين أنصار النظام السابق وأولئك الذين عارضوه، وأكدت الوكالة أن كثيرين في سوريا يحملون مشاعر استياء تجاه العلويين، الذين تمتعوا بنفوذ كبير داخل الجيش والحكومة خلال حكم الأسد.
وبحسب التقرير، فقد شاركت في الهجمات وحدات تابعة لهيئة تحرير الشام سابقا، مثل جهاز الأمن العام والفرقة 400 ولواء عثمان، بالإضافة إلى فصائل سنية مسلحة انضمت مؤخرا إلى القوات الحكومية، من بينها فرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة، وكلاهما خاضع لعقوبات أوروبية، وأوضحت رويترز أن ما يقرب من نصف هذه الفصائل خاضع لعقوبات دولية منذ سنوات؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
وفي مقابلة مع رويترز بعد أيام من المجازر، قال الرئيس السوري أحمد الشرع: "نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين.. لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب مهما كان، حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا”.
وأمر الشرع بتشكيل لجنة تقصي حقائق في أحداث الساحل، بالإضافة إلى لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي، وذكر ياسر الفرحان، المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق، في تصريح للوكالة: "اللجنة الآن بمرحلة فحص وتحليل المعلومات، لاستخلاص النتائج وكتابة التقرير، ولا نستطيع الإجابة قبل أن ننتهي، حرصا على أمانة الحقيقة ومقتضيات التحقيق”.
وأضاف: "أنصح بأن تتريثوا في النشر لحين الاطلاع على تقريرنا النهائي، فقد استمعنا إلى أكثر من ألف شاهد وشاهدة من العائلات، استمعنا أيضا لإحاطات المسؤولين الحكوميين، والمجتمع المدني والوجهاء، استجوبنا عددا من الموقوفين، وجمعنا الكثير من الأدلة، أتوقع أنكم ستجدون في النتائج شيئا مفيدا لاستجلاء الحقيقة من جوانبها ومصادرها المتعددة”.
وأكدت رويترز أن الحكومة السورية، بما في ذلك وزارة الدفاع ومكتب الرئيس وجهاز الأمن العام، لم ترد على ملخص مفصل لنتائج التقرير أو على أسئلة الوكالة حول ضلوع قوات حكومية في المذابح، كما أشار التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي ندد "بالجرائم المروعة المرتكبة بحق المدنيين من قبل جميع الأطراف"، لكنه لم يوضح سبب عدم فرض عقوبات على وحدات هيئة تحرير الشام السابقة، ولم ترد الولايات المتحدة على طلبات التعليق.
وأوضحت رويترز في تحقيقها أنها تحدثت مع أكثر من 200 من عائلات الضحايا خلال زيارات ميدانية لمواقع المذابح وعبر الهاتف، ومع 40 من المسؤولين الأمنيين والمقاتلين والقياديين، بالإضافة إلى محققين ووسطاء عينتهم الحكومة، كما اطلعت على رسائل في صفحة مراسلة على تطبيق تيلغرام أنشأها مسؤول في وزارة الدفاع لتنسيق تحرك الحكومة، وفحص صحفيو الوكالة عشرات من مقاطع الفيديو وحصلوا على لقطات من كاميرات المراقبة، وجمعوا قوائم مكتوبة بخط اليد بأسماء القتلى.
ووفقا للتقرير، كان بعض المهاجمين يحملون قوائم بأسماء الرجال المستهدفين، بما في ذلك أعضاء سابقون في فصائل مؤيدة للأسد حصلوا على عفو مؤقت من الحكومة الجديدة، وظهرت لاحقا أسماء عائلات بأكملها في قوائم القتلى التي كتبها شيوخ القرى، ووصف عدد من الناجين كيف تم تشويه جثث ذويهم، بينما أظهرت مقاطع فيديو مقاتلين يجبرون علويين على الزحف والنباح مثل الكلاب، وأخرى تظهر أكواما من الجثث.
وشملت قائمة الضحايا عائلات بأكملها، بينهم نساء وأطفال وعجائز ومعاقون، في عشرات القرى والأحياء ذات الأغلبية العلوية، ففي أحد الأحياء كانت هناك 46 امرأة بين 253 قتيلا، وفي قرية أخرى كان هناك 10 أطفال ضمن 30 قتيلا، وفي حالة واحدة على الأقل، أُخليت بلدة علوية بأكملها خلال الليل تقريبا وحل السنّة محل مئات السكان فيها، وكان السؤال الأول الذي يطرحه المقاتلون لدى وصولهم على السكان: "أنت سنّي أم علوي؟"، وهو ما أكده أكثر من 200 شاهد وناج، بحسب رويترز.
وفي تفاصيل الانتفاضة، أوردت رويترز شهادة ياسمين، شقيقة عبيدة شلي، أن شقيقها التوأم كان أصغر أفراد عائلة سنية من إدلب، وقد انضم إلى جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام بعد عودته من العمل كـ "مرتزق" في ليبيا، وفي السادس من مارس، تعرضت نقطة التفتيش التي كان يحرسها لهجوم أسفر عن مقتل العشرات من عناصر الأمن، وأرسل شلي رسالة صوتية لشقيقته يخبرها بأن نصف الرجال حوله سقطوا قتلى، ثم قتل بعد ذلك بساعتين.
وشنت قوات موالية للأسد هجمات في بانياس وسيطرت على الطريق الرئيسي والمستشفى وهاجمت المقر الأمني للحكومة الجديدة، وقالت الحكومة إن "المئات" من قواتها قتلوا في الانتفاضة، لكنها لم تعلن عن أسماء أو إحصاء دقيق، وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ثلاثة ضباط سابقين موالين للأسد، متهما إياهم بقيادة مجموعات مسلحة "أججت التوتر الطائفي وحرضت على العنف”.
وطلبت وزارة الدفاع تعزيزات من جميع الفصائل المنضمة حديثا إلى القوات الحكومية، وتعالت النداءات من المساجد تدعو إلى الجهاد، وقال محمد الجاسم، قائد فرقة السلطان سليمان شاه، إنه كان في مستشفى في تركيا وقت اندلاع القتال، ونفى أن يكون لرجاله أي دور في أعمال العنف.
وأدار حسين عبد الغني، المتحدث باسم وزارة الدفاع، مجموعة تراسل على تيلغرام بين زعماء الفصائل وقادة الجيش لتنسيق تحركات الحكومة، وأكد أنه قدم شهادته للجنة التحقيق في عمليات القتل، وأشارت الرسائل إلى مواقع وتحركات القوات، بما في ذلك رسالة من عبد الغني عند الجسر المؤدي إلى قرية المختارية، حيث ارتكبت مذابح.
وقال ننار حواش، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، إن عمليات القتل قوضت شرعية الحكومة الجديدة بين السوريين، خاصة الأقليات، وأضاف: "نشر وحدات معروفة بعدائها لطوائف تعتبرها خصوما، ولها سجل حافل بالانتهاكات، أدى إلى نتائج متوقعة.. لقد تقاعسوا عن الوفاء بواجبهم الأساسي في توفير الحماية”.
وفي بعض الأحيان، واجهت الفصائل المنضمة حديثا للقوات الحكومية بعضها البعض في شوارع القرى، حيث حاول بعضهم حماية المدنيين من رجال يرتدون الزي الرسمي ويحاولون قتلهم.
وفي السابع من مارس، وقعت المذابح في 26 موقعا، وبلغ عدد القتلى 578 شخصا، وفق قوائم أعدها وجهاء القرى، وتعرضت قرية المختارية لهجوم عند السادسة صباحا، حيث اقتحم رجال يرتدون زي جهاز الأمن العام المنازل وأجبروا الرجال على الزحف واقتادوا آخرين بعيدا، وقُتل 157 شخصا، أي نحو ربع سكان المختارية، بينهم 28 فردا من عائلة عبد الله و14 من عائلة درويش و11 من عائلة الجهني.
وقالت امرأة فقدت والدها وإخوتها: "الرصاص كان زي المطر يا أختي ما عرفين نروح وين أو كيف نهرب"، وأشارت امرأة أخرى فقدت 17 من أقاربها إلى كومة من الجثث في فيديو، قائلة: "هذه عائلتي"، وأرسلت صورة لزوجها ضمن القتلى.
وقال علي ملحم، مؤسس مجموعة السلم الأهلي السورية، إن القرى التي شهدت أكبر قدر من سفك الدماء هي التي ينتمي سكانها إلى فرقة فرعية من الطائفة العلوية تعرف بالكلازية، وهي الفرقة التي ينتمي إليها عائلة الأسد وكبار مسؤولي الأمن في عهده، ومن بين الأماكن المرتبطة بالكلازية قرية الصنوبر، حيث شاركت الفرقة 400 وفرقة السلطان سليمان شاه في الهجمات، بحسب شهادات ناجين.
وفي مقطع فيديو من "الصنوبر"، ظهر مقاتل من فرقة سليمان شاه بجانب جثث وهو يقول: "فرقة سليمان شاه تدحر فلول النظام الله أكبر والحمد لله"، وتواصلت أعمال العنف حتى اليوم، وسط مخاوف من فقدان الحكومة الجديدة السيطرة على الساحل، بينما لم ترد الجهات الرسمية على أسئلة رويترز حول ضلوع قوات حكومية في المذابح.