2025-08-18
من غزة المحاصرة مرورا بالسودان المنهك وصولا إلى موريتانيا التي تكافح زحف الصحراء تتكشف أزمة المياه في العالم العربي ليس فقط كقصة جفاف ومناخ قاس بل كملف ثقيل من الإهمال وسوء الإدارة.
في السودان يضرب الجفاف الأرض ويتراجع النيل بينما الحرب والفساد يعمقان الأزمة حيث أشارت تقارير محلية ودولية إلى تعطل مشروعات سدود وخطوط مياه بسبب سوء توزيع الموارد ونهب التمويلات.
وفي مصر التي تعتمد على أكثر من 97% من مياه نهر النيل لسد احتياجاتها لا يبدو الوضع مبشرا إذ تؤكد وزارة الري والموارد المائية أن القاهرة تخسر منذ عام 2019 أكثر من مليار متر مكعب من المياه سنويا بفعل ارتفاع درجات الحرارة وتراجع منسوب الأمطار.
أما موريتانيا فتعاني من صحراء تتمدد ومواسم أمطار غير منتظمة وبرغم تلقيها دعما دوليا لمشروعات مياه في المناطق الريفية فإن الفساد الإداري وسوء التخطيط جعلا كثيرا من هذه المشاريع متوقفا أو بلا صيانة تاركا السكان بين خيارين أحلاهما مر العطش أو مياه الآبار المالحة.
ومن القارة السمراء إلى بلاد الرافدين يظهر العراق كأكثر الدول تضررا حيث تلقي سيطرة تركيا على منبعي دجلة والفرات وتبعات التغير المناخي إضافة إلى الإهمال الحكومي بثقلها على الموارد المائية.
وفي بلاد الشام تتعقد الأزمة أكثر ففي غزة الحصار خانق والسماء شحيحة بينما مشروعات تحلية المياه تتعثر بين نقص التمويل واستهداف البنية التحتية وفي سوريا انعكست آثار الحرب بوضوح على سهول الحسكة والرقة ودير الزور وحلب حيث تعتمد دمشق على نهر الفرات الذي انخفض منسوبه في العقدين الأخيرين إلى النصف تقريبا فيما تسبب النزاع المسلح بتدمير البنية التحتية وخدمات المياه والصرف الصحي.
ولم تسلم دول مثل لبنان والأردن وإسرائيل وتونس وحتى دول مجلس التعاون الخليجي من هذه الكارثة البيئية حيث يتداخل المناخ مع السياسة فالتغير المناخي يبدل خريطة الأمطار ويضاعف الجفاف والفساد والإهمال يبددان الموارد ويعطلان الحلول والنزاعات تدمر البنية التحتية وتعزل المجتمعات عن مصادر المياه وغياب الإدارة المستدامة يحول كل أزمة طبيعية إلى كارثة إنسانية.
ولم تعد أزمة المياه في العالم العربي مسألة بيئية فحسب، ومع استمرار هذا المسار قد يتحول العطش إلى وقود لصراعات أكبر حيث تصبح قطرة الماء أثمن من برميل النفط.
تقرير: إيسامار لطيف