2025-09-12
أقر مجلس الوزراء اللبناني رسميًا التعاقد مع شركة Starlink الأميركية لتوفير خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، في خطوة يُفترض أن تُحدث تحولًا في بنية الاتصال الرقمية، خاصة في المناطق المحرومة من التغطية.
غير أن هذا القرار، الذي يُروّج له باعتباره نقلة نوعية، أثار موجة من الاعتراضات السياسية والقانونية والأمنية، تمحورت حول نقطتين أساسيتين: خرق السيادة الرقمية وتجاوز قانون الشراء العام.
أولى الاعتراضات تتعلق بالسيادة الرقمية، إذ تُصر شركة Starlink على تخزين بيانات الاتصالات اللبنانية في قطر، لا في لبنان، ما يُعد مخالفة واضحة لقانون المعاملات الإلكترونية رقم 81/2018، الذي يشدد على ضرورة حفظ البيانات ضمن السيادة الوطنية.
ورغم الرفض السابق من قبل الأجهزة الأمنية لهذا التعاقد، فإن الحكومة الحالية استندت إلى محضر اجتماع غير رسمي شارك فيه بعض ممثلي الأجهزة، دون وجود الأطراف المعنية مباشرة مثل هيئة أوجيرو أو شركة Starlink نفسها.
يثير هذا القرار تساؤلات مهمة:
تجدر الإشارة إلى أن الإمارات وقطر والأردن وسلطنة عمان أبرمت عقودًا مماثلة مع Starlink، ولكنها اشترطت بوضوح إبقاء البيانات على أراضيها، ما يُبرز تباينًا لافتًا في المواقف بين لبنان وسواه من دول المنطقة.
النقطة الثانية المثيرة للجدل تتعلق بالآلية القانونية التي اعتمدتها وزارة الاتصالات لتوقيع العقد، إذ أكدت الوزارة، مدعومة برأي هيئة الاستشارات والتشريع، أن العقد لا يخضع لقانون الشراء العام بسبب:
لكن هذين التبريرين اعتُبرا محاولة لتجاوز الإطار القانوني المنصوص عليه بوضوح، خصوصًا أن القانون لا يشترط وجود عبء مالي لتطبيقه، بل يركّز على ضرورة تأمين المنافسة العادلة والشفافية. والأخطر أن الوزارة نفسها أكدت وجود عروض أخرى من شركات منافسة، ما يُضعف حجة "غياب الحصرية" ويُثير مخاوف جدية من تمييز في المعاملة بين الشركات المحلية والأجنبية، وإضعاف قدرة الدولة على تنظيم سوق الاتصالات.
على مستوى العالم العربي، يتزايد التوجّه نحو تقنيات الإنترنت الفضائي كجزء من خطط التحول الرقمي، وتبرز Starlink كخيار تقني واعد في هذا المجال.
لكن الدول العربية التي سبقت لبنان في هذا المسار لم تتنازل عن حقوقها السيادية، بل وضعت شروطًا صارمة تتعلق بموقع تخزين البيانات، والرقابة على الشبكة، وآليات العمل داخل أراضيها.
وبالتالي، فإن النهج اللبناني يختلف بشكل لافت، ما يطرح علامات استفهام حول المعايير التي تم اعتمادها في صياغة الاتفاق، ومدى مواءمتها للمصالح الوطنية.
تقرير: فؤاد مشيك