2025-08-13
تنساب خيوط الحرير بخفة بين أصابعه، تلتف بإتقان حول القالب، ثم تسحب بخبرة عمرها قرن وربع، لتولد قبعة الطربوش كما عرفها الأجداد في لبنان.
في ورشته الصغيرة وسط أزقة سوق طرابلس العتيق، تتحول الحركة الرتيبة ليديه إلى طقس يومي يحفظ ذاكرة مهنة توشك أن تختفي.
محمد الشعار ليس مجرد صانع طرابيش، إنه آخر من يحمل سر هذه الحرفة في لبنان.
بألوانه المتنوعة من العنابي العميق إلى الأخضر الداكن، وبزخارفه التي تحمل الأرزة اللبنانية أو بتصاميم بسيطة، يقدم الشعار لزبائنه ما يشبه قطعة من التاريخ.
رغم الأزمات الاقتصادية وتراجع الطلب، لم يتخل محمد عن مهنته، ويقول إن الطربوش لم يعد زياً يومياً كما كان، بل أصبح رمزاً يزين المناسبات أو هدية تذكارية للسائحين، لكن صناعته ما زالت تحتاج صبراً ومهارة ودقة لا يجيدها إلا القليلون.
عرف الطربوش أوج انتشاره في زمن السلطنة العثمانية، خاصة بعد أن فرض السلطان محمود الثاني على كبار رجالات الدولة ارتداءه، ومنذ ذلك الحين ظل حاضراً في الذاكرة الشعبية اللبنانية حتى وإن غاب عن الحياة اليومية.
في ورشة الشعار، تتقاطع رائحة الأقمشة مع صوت السوق المجاور، وتبقى أصابعه تدور على القالب جيئة وذهاباً، كأنها تدور أيضاً على عجلة الزمن، تحيك الماضي بالحاضر وتروي قصة قبعة لا تزال مرفوعة رغم ثقل السنين.
تقرير: علي الموسوي