Mask
Logo

مجتمع

سنجار بعد 11 عاما.. إبادة بلا عدالة واتفاق بلا تنفيذ

2025-08-09

مرت إحدى عشرة سنة على واحدة من أحلك الصفحات في تاريخ العراق الحديث اجتياح تنظيم داعش لقضاء سنجار في المناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان في أغسطس عام ألفين وأربعة عشر، وارتكاب مجازر مروعة بحق الكورد الإيزيديين.

ومع مرور الزمن، لا تزال تلك المجازر بلا توصيف رسمي في قاموس العدالة العراقية، ولا تزال العدالة مؤجلة في وطن اعتاد على النسيان السياسي والتجاهل المؤسساتي. فما الذي حال دون إنصاف الضحايا؟ ولماذا لا تزال سنجار تراوح في مكانها؟

حين اجتاح تنظيم داعش مدينة سنجار، كانت النتيجة إبادة منظمة بحق الكورد الإيزيديين. آلاف القتلى، ومقابر جماعية، وآلاف النساء والفتيات سبايا في سوق النخاسة، بينما فقد الآلاف وما زال مصيرهم مجهولا.

لم تكن تلك مجرد جريمة إرهاب عابرة، بل حملة تطهير عرقي موثقة باعترافات دولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، التي أكدت أن ما جرى يعد جريمة إبادة جماعية بكل المعايير.

لكن، وعلى الرغم من ثقل الجريمة، لم تعترف الجهات الاتحادية في العراق رسميا حتى اليوم بأن ما جرى في سنجار كان إبادة جماعية. هذا الغياب القانوني للاعتراف لا يمثل فقط إهانة للضحايا، بل يكرس نهج الإنكار ويضعف فرص العدالة والمساءلة.

السؤال الجوهري: لماذا لم تشكل محكمة خاصة لمحاكمة عناصر داعش المسؤولين عن الجرائم في قضاء سنجار في المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم؟

على الرغم من وضوح الجرائم وفظاعتها، لم تنشئ الحكومة العراقية أي محكمة خاصة، لا في بغداد ولا في سنجار.

كما أن حكومة إقليم كوردستان التي سعت لإنشاء محكمة خاصة منعت من ذلك بقرار اتحادي، بدعوى أن القضاء اختصاص حصري للدولة الاتحادية.

هذا الخلاف القضائي السياسي جعل آلاف الناجين بلا منصة يرفعون أصواتهم أمامها، وبلا قضاء يضمن حقوقهم.

في أكتوبر 2020، تم توقيع اتفاق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان لتطبيع الأوضاع في سنجار، برعاية الأمم المتحدة. نص الاتفاق على إعادة الإدارة المحلية، وإخراج الجماعات المسلحة، وتشكيل قوات محلية من أهالي المدينة، وتوفير الخدمات والبنية التحتية.

لكن، وبعد مرور خمس سنوات تقريبا، لم ينفذ من الاتفاق سوى القليل، ما دفع مسؤولين محليين ودوليين إلى تجديد الدعوات لتنفيذه. فقد شدد رئيس وزراء الإقليم، مسرور بارزاني، على أن تنفيذ الاتفاق "لن يكون ممكنا ما لم تنه المظاهر المسلحة في القضاء"، مؤكدا أن الأمن أساس كل شيء.

كما دعا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق إلى "تنفيذ اتفاق سنجار دون تأخير"، معتبرا أن تطبيقه هو مفتاح عودة الاستقرار.

في موقف واضح وصريح، قدم وزير داخلية إقليم كوردستان خطة من ثماني خطوات لتحقيق العدالة للكورد الإيزيديين، أبرزها:

1. تعويض المتضررين، ماديا ومعنويا.

2. في المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم.

3. إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الإرهابيين المتورطين.

4. تنفيذ اتفاق سنجار بالكامل.

5. تطهير القضاء من الميليشيات والجماعات غير الرسمية.

6. إعادة إعمار البنية التحتية وتوفير الخدمات.

7. توفير فرص العمل، لمنع النزوح مجددا.

8. تنفيذ المادة 140 من الدستور، لحسم تبعية سنجار إداريا.

هذه الخطوات تمثل خارطة طريق حقيقية للعدالة والمصالحة، لكنها تصطدم بجدران البيروقراطية السياسية والنفوذ الميليشياوي في المنطقة.

بعد أحد عشر عاما، لم تعد سنجار تطلب الرثاء، بل تطلب العدالة.

لا يكفي التلويح بالقرارات الأممية، ولا النياشين الإعلامية الموسمية.

ما تحتاجه سنجار هو قانون يعترف بالإبادة، محكمة تحاكم الجناة، وإرادة سياسية تخرج القضاء من العبث المسلح.

لقد صمد الكورد الإيزيديون رغم كل شيء، وآن الأوان ليصمد العالم من أجلهم، ولو بالقانون.


تقرير: فؤاد مشيك

Logo

أخبار ذات صلة